الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
والمعز هذا هو الذي استسن ذلك كله فكان أمره إذا كان أواخر ذي الحجة من كل سنة انتصب كل من المستخدمين في الأماكن الآتي ذكرها لإخراج آلات الركوب: فيخرج من خزائن الأسلحة ما يحمله صبيان الركاب حول الخليفة من الصماصم المصقولة المذهبة والدبابيس الملبسة الكيمخت الأحمر والأسود مدورة الرأس مضرسة ولتوت رؤوسها مستطيلة وآلات يقال لها المستوفيات وهي عمد حديد طول ذراعين مربعة الشكل لها مقابض مدورة في اليد وعدد معلومة أيضًا من كل صنف يتسلمها نقباؤهم وستمائة حربة بأسنة مصقولة تحتها جلب فضة كل اثنتين في شرابة تعطى لثلاثمائة عبد من السودان الشباب يقال لهم أرباب السلاح الصغير ويعطى لكل منهم درقة. هذا من خزائن السلاح. ثم يخرج من خزائن التجمل وهي من حقوق خزائن السلاح القضب الفضة برسم تشريف الوزير وأرباب الرتب من الأمراء والعساكر من الرجالة والمشاة وهي رماح ملبسة بأنابيب الفضة المنقوشة بالذهب سوى ذراعين منها فإنها مشدودة بالمعاجر الشرب الملونة وتبقى أطرافها المرقومة مسبلة كالسناجق وبرأس كل رمح رمامين فضة منفوخة وأهلة مجوفة وفيها جلاجل لها حس إذا تحركت وعدتها مائة رمح. ومن العماريات وهي شبه الكجاوات مائة عمارية ملبسة بالديباج الأحمر والأصفر والسقلاطون مبطنة مضبوطة بزنانير من حرير وعلى دائر التربيع مناطق بكوامخ فضة مسمورة في جلد. ويخرج للوزير لواءان على رمحين ملفوفين غير منشورين فيسيران أمام الوزير. ثم يسير للأمراء أرباب الرتب في الخدم أولهم صاحب الباب عشر قصبات وعشر عماريات. وللإسفهسالار مثل ذلك عدة عماريات بألوان مختلفة ومن سواهما من الأمراء خمس. ثم يخرج من البنود الخاص الدبيقي المرقوم الملون برماح ملبسة بالأنابيب على رؤوسها الرمامين والأهلة للوزير أيضًا خاصة. ودون هذه البنود مما هو حرير على رماح غير ملبسة رؤوسها ورمامينها نحاس مجوف مذهب أمام الأمراء المذكورين. ثم يخرج لقوم يقال لهم السريرية سلاح كل قطعة طول ثلاث أذرع برأسها طلعة مصقولة وهي من خشب القنطارية داخلة في الطلعة وفي عقبها حديد مدور السفل فهي في كف حاملها الأيمن وهو يفتلها فتلًا متدارك الدوران وفي يده اليسرى نشابة كبيرة يخطر بها. ثم يخرج من النقارات حمل خمسين بغلًا على خمسين بغلًا على كل بغل خمس مثل الكوسات يقال لها طبول. قلت: ولها حس مستحسن. ويسيرون في المواكب ثلاثًا. ثم يخرج لقوم متطوعين ليس لهم جراية ولا نفقة وعدتهم مائة رجل لكل واحد درقة من درق اللمط واسعة وسيف ويسيرون رجالة. هذا ما يخرج من خزائن السلاح. ثم يحضر حامي خزائن السروج وهو من الأستاذين المحنكين إليها مع مشارفها وهو من الشهود المعدلين فيخرج منها من خاص الخليفة من الركاب المحلى ما هو برسم ركوبه وما يجنب في الموكب مائة سرج تشد على عدة حصن. ويقال: كل مركب مصوغ من ذهب وفضة أو من ذهب منزل فيه المينا وروادفها وقرابيسها من نسبتها. ومنها مرصع بحب اللؤلؤ الفائق. والخيل مطوقة بأعناق الذهب وقلائد العنبر وفي أيدي أكثرها خلاخل مسطحة بالذهب ومكان الجلد من السروج الديباج الأحمر والأصفر وغيرهما من الألوان المنقوشة قيمة كل دابة وما عليها ألف دينار. فيشرف الوزير منها بعشرة لركوبه وأولاده ومن يشاء من أقاربه. ويتسلم ذلك كله عرفاء الإصطبلات. ثم يخرج من الخزانة أيضًا لأرباب الدواوين المرتبين في الخدم مراكب على مقدارهم عليها من العدة دون ما تقدم ذكرهم وعدتهم ثلاثمائة خيل وبغال. ثم ينتدب حاجب يفرق لأرباب الخدم كل واحد سيفًا وقلمًا فيحضر سحر اليوم المذكور إلى منازل أرباب الخدم بالقاهرة ومصر ولهم رسوم من الركاب من دينار إلى نصف دينار إلى ثلث دينار. فإذا تكمل ما وصفنا وتسلمه أربابه من العرفاء يجلس الخليفة في الشباك لعرض الخيل الخاص المقدم ذكرها ويقال له يوم عرض الخيل فيستدعى الوزير بصاحب الرسالة وهو من كبار الأستاذين المحنكين فيمضي مسرعًا على حصان دهراج فيعود ويعلم باستدعاء الوزير فيخرج الخليفة من مكانه راكبًا في القصر والناس بين يديه مشاة فينزل بالسدلا بدهليز باب الملك الذي فيه الشباك وعليه ستر فيقف زمام القصر من جانبه الأيمن وصاحب بيت المال من جانبه الأيسر. فيركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء. فيترجل الأمراء من باب القصر والوزير راكب ويدخل من باب العيد في هذا اليوم وينزل عند أول الدهاليز الطوال ويمشي وحوله حاشيته وأقاربه إلى الشباك فيجلس على كرسي جيد ورجلاه تطأ الأرض. فعندما يجلس يرفع الأستاذان جانبي الستر الذي على الخليفة. فإذا رأى الوزير الخليفة وقف وسلم وخدم بيده إلى الأرض خمس مرات. ثم يؤذن له في الجلوس على كرسيه ويقرأ القراء آيات لائقة بذلك الحال نصف ساعة. ثم تعرض الخيول كالعرائس بأيدي شداديها فيقرأ القراء عند تمام العرض ويرخى جنبات الستر. ويقوم الوزير فيدخل ويقبل يد الخليفة ورجله ثم ينصرف فيركب من مكان نزوله والأمراء في ركابه ركبانًا ومشاة إلى قريب من داره. فإذا صلى الإمام الظهر جلس الخليفة لعرض ما يلبسه في الغد من خزائن الكسوة الخاصة ويكون لباسه البياض فيعين منديلًا خاصًا وبدلة. ويتسلم المنديل شاد التاج الشريف ويقال له شد الوقار وهو من الأستاذين المحنكين وله ميزة فيشدها شدة غريبة لا يعرفها سواه شكل الإهليلجة. ثم يحضر إليه اليتيمة وهي جوهرة عظيمة لا تعرف لها قيمة فتنظم وحولها ما هو دونها من الجواهر وهي موضوعة في هلال من ياقوت أحمر ليس له مثال في الدنيا زنته أحد عشر مثقالًا وقيل أكثر يقال له الحافر فتنظم في خرقة حرير أحسن ما يمكن من الوضع ويخاط على التاج بخياطة خفيفة فيكون ذلك بأعلى جبهة الخليفة وبدائرها قصب الزمرد الذبابي العظيم القدر. ثم يؤمر بشد المظلة التي تشاكل تلك البدلة وهي اثنا عشر شوزكًا عرض أسفل كل شوزك شبر وطوله ثلاث أذرع وثلث وآخر الشوزك من فوق دقيق جدًا. فيجتمع ما بين الشوازك في رأس عمودها دائرة. والعمود من الزان ملبس بأنابيب الذهب. وفي آخر أنبوبة تلي الرأس فلكة بارزة قدر عرض إبهام. فيشد آخر الشوازك في حلقة ذهب. وللمظلة أضلاع من خشب الخلنج مربعات مكسوة بالذهب على عدد الشوازك خفاف بطول الشوازك. وفيها خطاطيف لطاف وحلق يمسك بعضها بعضًا تنضم وتنفتح ورأسها كالرمانة ويعلوه أيضًا رمانة صغيرة كلها ذهب مرصع بجوهر ولها رفرف دائر عرضه أكثر من شبر ونصف وتحت الرمانة عنق مقدار ست أصابع. فإذا أدخلت الحلقة الذهب الجامعة لآخر الشوازك في رأس العمود ركبت عليها الرمانة ولفت في عرضي دبيقي مذهب فلا يكشفها منه إلا حاملها عند تسليمها وقت الركوب. ثم يؤمر بشد لواءي الحمد المختصين بالخليفة وهما رمحان طويلان ملبسان بمثل أنابيب عمود المظلة إلى حد نصفهما برأسهما لواءان من حرير أبيض مرقومان بالذهب ملفوفان على رماحهما ويخرجان بخروج المظلة فيحملهما أميران. ثم يخرج إحدى وعشرون راية لطيفة من حرير مرقوم ملونة بكتابة في كل واحدة بما يخالف لونها ونص كتابتها: " طول كل راية ذراعان في ذراع ونصف فتسلم ثم يخرج رمحان في رؤوسهما أهلة من ذهب في كل واحد سبع من ديباج أحمر وأصفر وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الريح فينفتحان فيظهر شكلهما ويتسلمهما فارسان يسيران أمام الرايات. ثم يخرج السيف الخاص وحليته ذهب مرصعة بالجواهر في خريطة مرقومة بالذهب لا يظهر سوى رأسه فيخرج مع المظلة وحامله أمير عظيم القدر وهو أكبر حامل. ثم يخرج الرمح وهو رمح لطيف في غلاف منظوم من لؤلؤ وله سنان مختصر بحلية ذهب وله شخص مختص بحمله. ودرقة بكوامخ ذهب وسيعة تنسب إلى حمزة بن عبد المطلب في غشاء حرير فيحملها أمير مميز له جلالة. ثم يعلم الناس سلوك الموكب. والموكب ذورتان إحداهما كبرى وهي من باب القصر إلى باب النصر مارًا إلى الحوض حوض عز الملك. ثم ينعطف على اليسار إلى باب الفتوح إلى القصر. والآخرى هي الصغرى إذا خرج من باب النصر سار حول السور ودخل من باب الفتوح إلى القصر. فكان إذا ركب ساروا بين يديه بغير اختلال ولا تبديل. فإذا أصبح الصبح يوم غرة العام اجتمع أرباب الرتب من القاهرة ومصر وأرباب السيوف والأقلام فصفوا بين القصرين ولم يكن فيه بناء كاليوم بل كان خلاء. ويبكر الأمراء إلى دار الوزير فيركب الوزير من غير استدعاء ويسير أمامه تشريفه المقدم ذكره والأمراء بين يديه ركابًا ومشاة وأمامه بنوه وإخوته وكل منهم يرخي الذؤابة بغير حنك وهو في أبهة عظيمة من الثياب الفاخرة والمنديل بالحنك متقلدًا سيفًا مذهبًا فيدخل أهله عند القصر في أخص مكان لا يصل الأمراء إليه ويدخل الوزير من باب القصر راكبًا وحده إلى دهليز العمود فينزل على مصطبة هناك ويمشي إلى القاعة ويجلس بها. فإذا دخلت الدابة لركوب الخليفة وأسندت إلى الكرسي الذي يركب عليه الخليفة من باب المجلس أخرجت المظلة إلى حاملها فيكشفها بإعانة جماعة من الصقالبة برسم خدمتها فيركزها في آلة من حديد متخذة شكل القرن المصطحب وهو مشدود في ركاب حاملها الأيمن بقوة وتأكيد بعقبها فيمسك العمود بحاجز فوق يده فيبقى وهو منتصب لا يضطرب في ريح عاصف. ثم يخرج السيف فيتسلمه حامله فإذا تسلمه أرخى ذؤابته فلا تزال مرخاة ما دام حاملًا له. ثم تخرج الدواة فيتسلمها حاملها وهو من الأستاذين المحنكين وهي الدواة التي كانت من أعاجيب الزمان وهي من الذهب وحليتها من المرجان تلف في منديل شرب بياض مذهب. وفيها يقول بعض الشعراء: ألين لداود الحديد كرامة فقدره في السرد كيف يريد ولان لك المرجان وهو حجارة على أنه صعب المرام شديد ثم يخرج الوزير ومن معه وينضم إليه الأمراء فيقف إلى جانب الدابة فيرفع صاحب المجلس الستر فيخرج منه الخليفة بالهيئة المشروحة قبل تاريخه: من الثياب والمنديل الحامل لليتيمة بأعلى جبهته وهو محنك مرخى الذؤابة مما يلي جانبه الأيسر متقلد سيفًا عربيًا وبيده قضيب الملك وهو طول شبر ونصف من عود مكسو بالذهب المرصع بالجوهر فيسلم على الوزير قوم مرتبون لذلك ويسلمون على أهله وعلى الأمراء بعدهم. ثم يخرجون شيئًا بعد شيء إلى أن يبقى الوزير فيخرج بعدهم ويركب ويقف قبالة باب القصر إلى أن يخرج الخليفة وحوله الأستاذون ودابته تمشي على بسط مفروشة خيفة أن تزلق على الرخام. فعندما يقرب من الباب يضرب رجل ببوق من ذهب لطيف معوج الرأس يقال له العربانة بصوت عجيب يخالف أصوات البوقات فتضرب أبواق الموكب وتنشر المظلة ويخرج الخليفة من الباب فيقف مقدار ما يركب الأستاذون المحنكون وأرباب الرتب الذين كانوا بالقاعة. ثم يسيرون والمظلة على يسار الخليفة وصاحبها يبالغ ألا يزول عنه ظلها وصبيان الركاب منهم جماعة كبيرة من الشكيمتين وجماعة أخرى في عنق الدابة وجماعة أخرى في ركابيه. فالأيمن مقدم المقدمين وهو صاحب المقرعة التي يناولها للخليفة ويتناولها منه ويؤدي عن الخليفة ويسير الموكب وبأوله أخلاط بعض العسكر ثم الأماثل ثم أرباب المناصب ثم أرباب الأطواق ثم الأستاذون المحنكون ثم حاملا لواءي الحمد من الجانبين ثم حامل الدواة وموضعها من حاملها بينه وبين قربوس السرج ثم صاحب السيف وهما في الجانب الأيسر. وكل ممن تقدم ذكره بين العشرة والعشرين من أصحابه. وأهل الوزير من الجانب الأيمن بعد الأستاذين المحنكين ثم الخليفة وحوله صبيان الركاب المذكورة تفرقة السلاح فيهم وهم ما يزيد على ألف رجل وعليهم المناديل الطبقيات يتقلدون بالسيوف وأوساطهم مشدودة بمناديل والسلاح مشهور بأيديهم من جانبي الخليفة كالجناحين وبينهم فرجة لوجه الدابة ليس فيها أحد. وبقرب من رأس الدابة صقلبيان محملان مذبتين كل واحدة كالنخلتين لما يسقط من طائر وغيره وهو سائر على تؤدة ورفق. وبطول الموكب والي القاهرة رائح وعائد يفسح الطرقات ويسير الفرسان فيلقى في عوده الإسفهسالار كذلك في حث الأجناد في الحركة وينكر على المزاحمين ويلقى أيضًا في عوده صاحب الباب بمن في زمرة الخليفة إلى أن يصل إلى الإسفهسالار فيعود لترتيب الموكب وبيد كل منهم دبوس. وخلف دابة الخليفة قوم من صبيان الركاب لحفظ أعقابه وخلفهم أيضًا أخر يحمل كل واحد سيفًا في خريطة ديباج أحمر وأصفر بشراريب يقال لها سيوف الدم لضرب الأعناق. ثم صبيان السلاح الصغير أرباب الفرنجيات المقدم ذكرهم أولًا. ثم يأتي الوزير وفي ركابه قوم من أصحابه وقوم يقال لهم صبيان الزرد من أقوياء الأجناد يختارهم لنفسه نحو من خمسمائة رجل من جانبيه كأنه على قلق من حراسة الخليفة ويجتهد ألا يغيب عن نظره وخلفه الطبول والصنوج والصفافير بحيث تدوي منهم الدنيا في عدد كثير. ثم يأتي حامل الدرقة والرمح. ثم طوائف الرجال من الركابية والجيوشية وقبلهما المصامدة ثم الفرنجية ثم الوزيرية زمرة بعد زمرة في عدد وافر يزيد على أربعة آلاف نفر ثم أصحاب الرايات ثم طوائف العساكر من الآمرية والحافظية والحجرية الكبار والحجرية الصغار والصقلية ثم الأتراك المصطنعون ثم الديلم ثم الأكراد والغز المصطنعة وهم البحرية. ويقدم هذه الفرسان عدة وافرة من المترجلة أرباب قسي اليد وقسي الرجل في نيف وخمسمائة نفر وهم المعدون للأساطيل وجملنهم نحو ثلاثة آلاف وأكثر. وهؤلاء الذين ذكرناهم بعض من كل لا جميع عسكر الخليفة. ثم يدخلون من باب الفتوح ويقفون بين القصرين كما كانوا. فإذا وصل الخليفة إلى موضع جامع الأقمر الآن وقف وقفة وانفرج الموكب فيمر الموكب بالخليفة ويسكع الوزير ليظهر للناس خدمته ويشير إليه الخليفة بالسلام إشارة خفيفة وهذه أعظم مكارمة تصدر عن الخليفة وهي للوزير صاحب السيف خاصة فيسبق إذًا لدخول الباب بالقصر راكبًا إلى موضعه على العادة خاصة له والأمراء مشاة. فيصل الخليفة إلى الباب وقد ترجل الوزير وقبله الأستاذون المحنكون فيحدقون به والوزير أمام الدابة إلى أن ينزل الخليفة فيخرج الوزير ويركب من مكانه والأمراء في خدمته وأقاربه بين يديه فيسيرون إلى داره فيسلمون وينصرفون إلى أماكنهم فيجدون قد أحضر إليهم المقرر من الخليفة يأمر بضرب دنانير ورباعية ودراهم في العشر الأخير من ذي الحجة عليها تاريخ السنة التي ركب فيها فيحمل للوزير منها شيء كثير وإلى أولاده وأقاربه ثم إلى أرباب الرتب من أرباب السيوف والأقلام من عشرة دنانير إلى رباعي إلى قيراط وإلى دينار واحد فيقبلون ذلك تبركًا. ولا ينقطع الركوب من أول العام إلا متى شاء ولا يتعدى ما ذكرناه في يومي السبت والثلاثاء. فإذا عزم على الركوب في هذه الأيام أعلم بذلك وعلامته إنفاق الأسلحة في صبيان الركاب من خزائن السلاح. وكان أكثر ركوبه إلى مصر. فإذا ركب ركب الوزير وراء الخليفة في أقل جمع مما تقدم ذكره في ركوب أول العام. فيشق الخليفة القاهرة إلى جامع أحمد بن طولون إلى المشاهد إلى درب الصفا ويقال له الشارع الأعظم إلى دار الأنماط إلى جامع مصر فيجد ببابه الشريف الخطيب واقفًا على مصطبة فيها محراب مفروش بحصير معلق عليه سجادة وفي يده مصحف يقال إنه بخط علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو من حاصله فيناول الشريف الخليفة المصحف فيأخذه ويقبله ويتبارك به ويعطيه صاحب الخريطة المقرر للصلاة ثلاثين دينارًا وهي رسمه كلما مر به الخليفة فيعطيها الشريف إلى مشارف الجامع فيأخذ منها أربعة عشر دينارًا ويفرق الباقي على القامة والمؤذنين خاصة. ثم يسير الخليفة إلى دار الملك فينزلها والوزير معه وكلما مر من القصر إلى دار الملك بمسجد أعطى قيمه دينارًا. ثم تأتي المائدة من القصر وعدتها خمسون شدة على رؤوس الفراشين مع صاحب المائدة وهو أستاذ جليل إلا أنه ليس بمحنك وفي شدة طيفور فيه الأواني الخاص فيها من الأطعمة الخاص من كل نوع شهي وكل صنف من المطاعم العالية وله روائح عبقة مسك أرخية وعلى شدة طرحة حرير تعلو الشدة. فيحمل الخليفة إلى الوزير منها جزءًا وافرًا ويعطي الأمراء ومن حضر ثم يوصل إلى أهل مصر من ذلك كثيرًا من الفضلات. ثم يصلي الخليفة العصر ويتحرك إلى العود والناس في الطريق جلوس لنظره. وزيه في هذه الأيام لبس الثياب البياض المذهبة والملونة وهي العمامة والمنديل مشدود وشدته مفردة عن شدات الرعية وذؤابته تقرب من الجانب الأيسر ويتقلد السيف العربي المجوهر بغير حنك ولا مظلة ولا يتيمة ولذلك أوقات مخصوصة فلا يمر بمسجد في طريقه إلا ويعطي قيمه دينارًا كما جرى في الرواح. وينعطف من باب الخرق فيدخل من بابي زويلة ويشق القاهرة إلى القصر. ويكون ذلك من المحرم إلى شهر رمضان كما مر في أول العام. وكان إذا ركب في أول العام يكتب إلى ولاة الأعمال والنواب سجلات مخلقة يذكر فيها ركوب الخليفة. وهذا كله سوى ركوبه في شهر رمضان إلى الخطبة على ما سنذكر إن شاء الله تعالى. ركوب الخليفة في يومي عيد الفطر والنحر إذا تكملت عدة شهر رمضان وهي عندهم أبدًا ثلاثون يومًا وتهيأت الأمور كما تقدم ذكره ركب الخليفة بالمظلة واليتيمة ولباسه في هذا اليوم الثياب البياض الموشحة وهي أجل لباسهم والمظلة أبدًا زيها تابع لزي ثياب الخليفة. ويخرج الخليفة من باب العيد إلى المصلى وعساكره وأجناده من الفرسان والرجالة زائدة على العادة موفورة العدد فيقفون صفين من باب العيد إلى المصلى. ويكون صاحب بيت المال قد تقدم على الرسم لفرش المصلى فيفرش الطراحات على رسمها في المحراب مطابقة ويعلق سترين يمنة ويسرة على الستر الأيمن الفاتحة وسبح اسم ربك الأعلى وعلى الأيسر الفاتحة و هل أتاك حديث الغاشية ويركز في جانبي المصلى لواءين مشدودين على رمحين قد لبست أنابيبهما من الفضة ويرخيهما فيدخل الخليفة من شرقي المصلى إلى مكان يستريح فيه قليلًا ثم يخرج محفوظًا كما يخرج للجمعة فيصلي بالتكبيرات المسنونة والقوم من ورائه على ترتيبهم في صلاة الجمعة. ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة " ويقف الوزير أسفل المنبر ومعه قاضي القضاة وصاحب الباب وإسفهسالار العساكر وصاحب السيف وصاحب الرسالة وزمام القصر وصاحب دفتر المجلس وصاحب المظلة وزمام الأشراف الأقارب وصاحب بيت المال وحامل الرمح ونقيب الأشراف الطالبيين. فيشير الخليفة إلى الوزير فيصعد ويقبل رجله بحيث يراه الناس ثم يقف على يمينه. ثم يشير إلى القاضي فيصعد إلى سابع درجة فيشير إليه الخليفة فيخرج من كمه درجًا أحضر إليه أمس من ديوان الإنشاء قد عرض على الخليفة والوزير فيقرؤه معلنًا وأوله البسملة ويليها ثبت بمن شرف بصعوده المنبر الشريف في يوم كذا من سنة كذا من عبيد أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين بعد صعود السيد الأجل. ويذكر الوزير بألقابه ونعوته. ومرة يشرف الخليفة أحدًا من أقارب الوزير فيستدعيه القاضي. ثم يتلو ذلك ذكر القاضي وهو القارىء فلا يسع القاضي أن يقول نعوت نفسه بل يقول المملوك فلان ابن فلان. وقرأه مرة ابن أبي عقيل القاضي فقال عن نفسه: العبد الذليل المعترف بالصنع الجميل في المقام الجليل أحمد بن عبد الرحمن بن أبي عقيل. أو غير ذلك بحسب ما يكون اسم القاضي. ثم يستدعي من ذكرنا وقوفهم على باب المنبر فيصعدون وكل له مقام يمنة أو يسرة ثم يشير إليهم الوزير فيأخذ كل واحد نصيبًا من اللواء الذي يحاذيه فيسترون الخليفة ويستترون ثم يخطب الخليفة خطبة بليغة. فإذا فرغ كشفوا ما بأيديهم من الألوية وينزلون أولًا بأول القهقرى. ثم ينزل الخليفة إلى مكانه الذي خرج منه ويركب في زيه المفخم إلى قريب من القصر فيتقدمه الوزير كما ذكرنا ويدخل من باب العيد فيجلس في الشباك وقد نصب منه إلى فسقية كانت في وسط الإيوان سماط طوله عشرون قصبة عليه من الخشكنان والبستندود والبرماورد مثل الجبل الشاهق وفيه كل قطعة منها ربع قنطار فما دون ذلك إلى رطل فيدخل الناس فيأكلون ولا منع ولا حجر فيمر ذلك بأيدي الناس وليس هذا مما يعتد به بل يفرق إلى الناس ويحمل إلى دورهم. ونذكر مصروفها في ترجمة العزيز فإنه أول من رتبها في عيد الفطر خاصة. سماط العيدين وأما سماط الطعام ففي يوم عيد الفطر اثنتان: أولى وثانية وفي عيد النحر مرة واحدة. ويعبى السماط في الليل وطوله ثلاثمائة ذراع في عرض سبع أذرع وعليه من أنواع المأكل أشياء كثيرة. فيحضر إليه الوزير أول صلاة الفجر والخليفة جالس في الشباك ومكنت الناس منه فاحتملوا ونهبوا ما لا يأكلونه ويبيعونه ويدخرونه. وهذا قبل صلاة العيد. فإذا فرغ من صلاة العيد مد السماط المقدم ذكره فيؤكل ثم يمد سماط ثان من فضة يقال له المدورة عليها أواني الفضة والذهب والصيني فيها من الأطعمة الخاص ما يستحى من ذكره. والسماط بطول القاعة وهو خشب مدهون شبه الدكك اللاطية عرضه عشر أذرع. ويحط في وسط السماط واحد وعشرون طبقًا في كل طبق واحد وعشرون خروفًا ومن الدجاج ثلاثمائة وخمسون طائرًا ومن الفراريج مثلها ومن فراخ الحمام مثلها. وتتنوع الحلوى أنواعًا ثم يمد بخلل تلك الأطباق أصحن خزفيات في جنبات السماط في كل صحن تسع دجاجات في ألوان فائقة من الحلوى والطباهجة المفتقة بالمسك الكثير. وعدة الصحون خمسمائة صحن مرتب كل ذلك أحسن ترتيب. ثم يؤتى بقصرين من حلوى قد عملا بدار الفطرة زنة كل واحد سبعة عشر قنطارًا فيمضى بواحد من طريق قصر الشوك إلى باب الذهب ويشق بالآخر من الجانب الآخر فينصبان أول السماط وآخره. ثم يخرج الخليفة راكبًا فينزل على السرير الذي عليه المدورة الفضة وعلى رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنكين وأربعة من خواص الفراشين. ثم يستدعي الوزير فيجلس عن يمينه والأمراء ومن دونهم فيجلسون على السماط فيتداول الناس السماط ولا يرد أحد عنه حتى يذهب عن آخره فلا يقوم الخليفة إلا قريب الظهر. ثم يخرج الوزير ويذهب إلى داره ويعمل سماط يقارب سماط الخليفة. وهكذا يقع في عيد النحر في أول يوم منه. انتهى الركوب في عيد الفطر. ركوب عيد الأضحى وأما ركوب الخليفة في عيد الأضحى فهو أيضًا بالزي المقدم ذكره والصلاة كذلك إلا أن الركوب يكون في أيام متتابعة أولها يوم العيد إلى المصلى ثم يركب ثاني يوم ثم ثالث يوم من باب الريح وهو في ركن القصر والباب مقابل سعيد السعداء وكان الموضع المذكور فضاء لا عمارة فيه فيخرج الخليفة من باب الريح فيجد الوزير واقفًا فيمشي بين يديه إلى المنحر فينحر فيه ما شاء الله أن ينحر ويعطي الرسوم. ورسوم الاضحية كرسوم ركوب الخليفة أول العام ويفرق الضحايا إلى المساجد وجوامع القاهرة وغيرها. فإذا انقضى ذلك خلع الخليفة على الوزير ثيابه الحمر التي كانت عليه ومنديلًا آخر بغير اليتيمة والعقد المنظوم عندما يطلع من المنحر فيشق الوزير بذلك القاهرة إلى باب زويلة ويسلك على الخليج إلى باب القنطرة ويدخل دار الوزارة فلذلك يفضل عيد النحر على عيد الفطر لكونه يخلع فيه على الوزير. وأما الركوب لفتح خليج السد عند وفاء النيل فهو يضاهي ركوبهم في أول العام. نذكر منه على سبيل الاختصار نبذة يسيرة: إذا كان ليالي الوفاء حمل إلى المقياس من المطابخ نحو عشرة قناطير خبز وعشرة خراف مشوية وعشر جامات خلوى وعشر شمعات وتوجه القراء وأرباب الجوامع فيقرؤون تلك الليلة بجامع المقياس حتى يكون الوفاء فيهتم الخليفة لذلك ويركب ويستدعي الوزير على العادة ويسير بالزي المقدم من غير مظلة وينزل بالصناعة ثم يركب العشاري ويدخل البيت المذهب في العشاري ومعه من شاء من المحنكين ولا تزيد عدتهم على أربعة نفر. ويطلع إلى العشاري خواص الخليفة وخواص الوزير وهم اثنان أو ثلاثة والناس كلهم فيه قيام إلا الوزير فإنه يجلس. ثم يمر العشاري إلى المقياس ثم تساق أشياء من التجمل يطول شرحها من جنس ركوبه أول العام. ثم يخرج بعد فراغه من تخليق المقياس ويركب العشاري ويعود إلى دار الملك بمصر وتارة إلى المقس ومن أحدهما إلى القاهرة في زي مهول من كثرة ما يهتم له من العساكر والزينة والسلاح. ويكون هذا الركوب أولى وثانية فالأولى في ليلة يتوجه القراء والثانية يوم فتح الخليج. وعندما يفتح الخليج ينشده الشعراء في المعني. فمن ذلك: فتح الخليج فسال منه الماء وعلت عليه الراية البيضاء وأما ركوبهم في المواكب في يومي الاثنين والخميس وغير ذلك فأمر عظيم. فأول الركوب ركوب متولي دفتر المجلس بالقصر الباطن. ويتضمن هذا الركوب الإنعام بالعطاء بأداء الرسوم والعطايا المفرقة في غرة السنة ثم يأتي ركوب وثالث ورابع وخامس. خزانة الكتب وأما خزانة الكتب فكانت في أحد مجالس البيمارستان العتيق اليوم كان فيها ما يزيد على مائة ألف مجلد في سائر العلوم يطول الأمر في عدتها. وقد اختصرنا من أمور الفاطميين نبذة كثيرة خشية الإطالة والخروج عن المقصود وفيما ذكرناه كفاية ويعلم به أيضًا أحوالهم بالقياس. وبما يأتي ذكرهم في عدة تراجم أيضًا فإنهم ثلاثة عشر خليفة بمصر نذكرهم إن شاء الله في هذا الكتاب كل واحد على حدته.
|